في قبضة الماضي
ملاحظات حول حياة الصور
بقلم رشا دقاق
تعمل الصور - بصفة عامة - كأدوات لإشراك الجسم البشري فتقوم بتحفيزه أو استمالته أو تنبيهه في بعض الأحيان. وتكمن قوة الصور في قدرتها على التجسيد الفعلي لأي شيء، سواء أكان بعيداً أو غائباً؛ وبإمكانها الربط بين الوجود المتجسد (هنا) مع الواقع الافتراضي (هناك). وعلى هذا، نظراً لأن الممارسات الدينية معروفة بنقص اعتمادها على المساحة المادية، تم استخدام الصور منذ فترة طويلة في هذا السياق بهدف إثارة الروابط وتحويل المساحات أو اللحظات الدنيوية إلى مقدسة. ويمكن ملاحظة تضمن العديد والعديد من الثقافات المادية الدينية صور لمواقع، مثل تواجد الكعبة في مكة، أو المسجد الأقصى في القدس، أو المساجد بشكل عام، على سجادات الصلاة. ووفقاً لنتائج دراستي، يتم استخدام تمثيل هذه المساحات كوسيلة تنشيط للذاكرة باستحضار أفكار وعواطف وذكريات محددة، لكنني أتساءل: هل لا تزال هذه الصور تدعم هذه المهمة؟ |
للحفاظ على الاتساق أو التمسك بناحية جمالية محددة فوائده. ومع ذلك، فإن استنساخ الصور الممزوج بشيء من التقديس الزائد على مدار الأجيال قد حوّل الميراث مع مرور الوقت إلى أعراف هدّامة.
لعلنا إذا بدأنا في التمييز بين التقاليد والمذهب التقليدي، حينها يمكننا القضاء على حالة الالتباس الأساسي الذي تواجهه الثقافات عندما يتعلق الأمر بتبجيل التراث، فالتقاليد ترتبط بالخبرة المكتسبة وتستخدمها كأساس للتطور على عكس المذهب التقليدي الذي يتمثل في الاحترام المبالغ فيه للتراث، والذي يمكنه فرض القيود ومنع التفسيرات المتنوعة؛ فيصبح في نهاية الأمر مقبرة للتطور.
وتدور هذه الظواهر حول كيفية إدراكنا لما توارثناه وتفاعلنا معه، وبالتالي لا تقتصر على ممارسة فردية.
بدأت رحلتي في التساؤل والتحقق عام 2015 حين بدأت التفكير في سجادات الصلاة لفهم عملية تطوير هذا العنصر وتكوين المظهر الجمالي له. وفي دراستي البحثية الأولى، أدركت أن نسبة 77% من سجادات الصلاة فيها رمز قبلة الصلاة وذلك من خلال توثيق سجادات الصلاة ذات التصميمات والألوان والأحجام وأماكن التصنيع المتنوعة. وتوصلت إلى أن السمة الأكثر تميزاً في سجادة الصلاة هي إنها أحادية الاتجاه وليست متماثلة، ولها طرفان علوي وسفلي واضحان، بالإضافة إلى نظافتها وطهارتها دائماً. يقف المُصلي على الطرف السفلي للسجادة، وتكون النقاط العلوية في اتجاه مكة. وخلال ملاحظاتي، فكًرت في العناصر الأخرى التي يمكننا تقديمها لتوفير الاتجاهية؟ وهذه النظرة تطرح احتمالات لانهائية، وقد دفعتني إلى التفكير فيما وراء سجادات الصلاة من ثقافة مادية دينية؛ ولذلك توسعت في بحثي ليشمل مواد دينية أخرى لفهم لغتها المرئية.
كلما شرعت في كتابة كلمة "إسلام" في محرك بحث، ظهرت مجموعة من صور المساجد والكعبة وأيادٍ مرفوعة للحمد والتسبيح وقناديل مضيئة وكتاب القرآن الكريم (يطفو أحياناً) والمحراب أو قبلة الصلاة وسجادات الصلاة والأهاليل وغيرها.
ولو أخدنا على سبيل المثال المحراب أو قبلة الصلاة، وهي عبارة عن نصف دائرة في حائط المسجد، نجد أن هذا العنصر المعماري يمثل رمزاً متكرراً فكان ينظر إليه على أنه رمزٌ يدل على الانتقال من العالم الدنيوي إلى العالم السماوي.
وينتشر هذا الشكل من المحراب في التقاليد المعمارية المتنوعة، حيث حنايا الكنائس وتابوت الكنيس ومكان اعتلاء العرش في القصور وغيرها بمثابة منشأ محتمل للمحراب. وعندما تم وضع المحراب ضمن السياق الثقافي والمعماري الإسلامي، اكتسب هذا الشكل دلائل جديدة. وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، تم طرح المحراب أو قبلة الصلاة لأول مرة، سواء أكان مسطحاً أو مقعراً، كمصطلح للقبلة وعلامة لها لتوفير تصور الاتجاهية في المساجد. ويستخدم المحراب إذا كان مقعراً كوسيلة صوتية معمارية.
في الوقت الحالي يستخدم هذا العنصر المعماري بشكل مفرط في الطباعة وغيرها من أشكال الثقافة المادية دون الاستفادة من معانيه، مما قزّمه إلى مجرد شكل يفتقر إلى التعبير.
|
ويمثل الإطار الذي يحيط بالعديد من السلع الدينية وغيرها عنصراً أخراً متكرراً وهو تقليد مرئي تم تبنيه من المخطوطات السابقة.
من المعروف أن المصاحف ذات الزخارف والرسومات الورقية والنباتية والهندسية كانت موجودة منذ أوائل القرن العاشر. وتم استخدام هذه الأطر لعدة أهداف، حيث نُقشت على هوامش الصفحات لتكون بمثابة هالة تحيط بالكلمات المقدسة والسمو بالنقاط العقائدية السامية. وتختلف هذه الأشكال بحيث تبرز الكلمات الافتتاحية والختامية في الكتاب المقدس وتوجه القارئ إلى التقسيمات المعيارية في النص. كما تم استخدام شكل أطر النصوص هذه وزخارفها وألوانها بمثابة مؤشرات للمنشأ الجغرافي للمخطوطات.
وحالياً، ليس ضرورياً أن يحقق الإطار مهمته التي تتمثل في تمجيد المحتوى الذي يحيط به ولا أن يزودنا بتعليمات أو تفسيرات تاريخية محددة.
|
يقترح هذا النص الموجز فتح باب الاستفسار لأشكال مختلفة قد تظهر إذا استخدمنا المنطق لتحرير أنفسنا من السلطة المزعومة لماضينا.
هل يمكننا إعادة تقييم الحيوات المضطربة للصور أثناء انتقالها من مكان لآخر يليه بشكل فعال؟ ماذا ستكون تكلفة هذا الأمر؟ ما هو منشؤها الأصلي وسلاسل نسبها وتاريخها؟ كيف يؤثر ذلك على إمكانياتها في إثارة المشاعر؟ وما هو الأثر الذي تتركه على مستوى الوكالة؟ أو قدرتها على إيصال المعنى ؟ لا أتحدث عن تتطور الصور ذاتها فقط، لكن عن كيفية الاستفادة منها وطرق استخدامها. هل يمكننا التوقف لإمعان النظر فيما مضى وإعادة اكتشاف الرابط بينه وبين الحاضر؟ فلسلسلة التراث هذه على الأرجح دور كبير في تشكيل هويتنا. |
نبذة عن الكاتبة
رشا دقاق مصممة فلسطينية تستكشف أعمالها تقاطعات النشر وتدريس التصميم، ورئيسة التحرير والمديرة الإبداعية لمجلة التصميم الصادرة بلغتين "بين"التي تناصر أهمية تشكيل مناخ يحفز ويدعم الحوار حول التصميم الجرافيكي في العالم العربي. كما حصلت الدقاق على شهادة ماجستير مزدوجة في التصميم الجرافيكي من جامعة الينوي بشيكاجو ومدرسة بازل للتصميم، وظهرت أعمالها في عدة منشورات، مثل AIGA Eye on Design، وDomus Germany، وWallpaper*. كما شاركت الدقاق في معارض مثل Salone del Mobile وأسبوع عمان للتصميم ومهرجان التصميم الجرافيكي Weltformat بمدينة لوسيرن ومعارض أخرى كثيرة. |